الثلاثاء، ديسمبر 6

فلنبدأ الآن

فلنبدأ الآن

 

د. صلاح الخالدي 

دخلت علينا سنة هجرية جديدة، لا ندري هل نعيش أيامها كلها أم نرتحل للدار الآخرة، ولا ندري كم سيفارقنا في هذه السنة من الأصحاب والأحباب، وهذه السنة ستكون حافلة مليئة بالأحداث الكبيرة على المستوى المحلي والعربي والإسلامي والعالمي، لأن الحياة حركة دائبة لا تتوقف ولا تنتهي، ولا يعلم إلا الله ماذا ستكون عليه أقطار العالم العربي وأنظمة الحكم والحراك الشعبي فيه، ومن سيزول من حكام العرب وكم سيبقى، وكم سيقتل الحاكم من أبناء شعبه قبل أن يرحل، لكن عالمنا العربي سيشهد حراكاً ونشاطاً وسعياً كبيراً، وينطبق عليه قول الشاعر:

والليالي من الزمان حبالى  مثقلات يلدن كل عجيب

أين نحن من هذا العالم الهجري الجديد؟ ما موقعنا في هذا العام؟ ماذا نريد أن نفعل في هذا العام؟ كيف سنقضي شهور هذا العام وأيامه وساعاته؟
إن من ما يُحزن المسلم البصير الحريص على أمته هذه الغفلة المُميتة، التي تستولي على كثير من أفراد الأمة، والتي تقتل مواجعهم، وتقضى على أعمارهم وأعمالهم، وتأخذهم بعيداً إلى عالم الضياع والنسيان. فلا يحققون شيئاً لأنفسهم ولا لأهلهم ولا لوطنهم وأمتهم.
كثيرون يظنون أنهم مخلوقون عبثاً، بدون هوية ولا تكليف ولا مسؤولية، ولذلك تمر عليهم الأعوام والأيام والساعات بدون أن يعرفوا قيمتها، ولا يعرفون كيف يقضونها.
وكثيرون من أبناء الأمة بدون فكر ولا سعي ولا تخطيط.. يعيشون على هامش الحياة، تحملهم الحياة بثقل، ويكونون عبئاً عليها، ولا يستفيدون منها، ولا يضيفون شيئاً إليها .. وإن فكر أحدهم فكر في شهوتي الطعام والجنس، وكان أسير بطنه وفرجه، وسعى للتزود بما لذ من الطعام و "إغواء" العابثات اللاهيات من الجنس الآخر .. لسان حال أحدهم قول ذلك العابث:
إنما الدنيا طعام وشراب ومنام      فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام
كم يتألم ويحزن المسلم البصير وهو يرى "مواكب الفارغين والفارغات" من الشباب والشابات، يتفاخرون ويتعاكسون في السيارات، ويعبثون على الطرقات، ويلهون ويلعبون و"يشتهي" بعضهم بعضاً في ممرات الكليات وشوارع الجامعات ومقاهي الكوفي شوب والمنتديات، ويقضى أحدهم أو إحداهن الساعات الطويلة في غرف "الدردشات" مع الطرف الآخر عبر "التْشات" .
ويتساءل هذا المسلم البصير الحزين، ماذا أصاب الناس، وأي لعنة وقعت بهم!!
أعزائي من أبنائي وبناتي: تعالوا معي نجعل من بداية هذا العام الهجري الجديد بداية جادة، ننوي فيها نية صادقة، ونسير في عالم الحركة والعمل والإصلاح والتغيير، وليرفع كل منها شعار "ابدأ الآن" وأدعو كل ابن عزيز من أبنائي وابنة غالية من بناتي إلى أن نعيش هذه الكلمات تحت عنوان " ابدأ الآن" وأن يعتبرها رسالة شخصية هامة مني له:
إبدأ الآن
أيها الشاب الحبيب، المُحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، الحريص على دينه، الذي جعل لحياته هدفاً سامياً، والذي وجه نظره نحو الآخرة..
لقد تعرفت على الحق، وعرفت الطريق إليه، ووضعت قدميك على أول الطريق.. فماذا بعد ذلك؟ هل تكتفي بالمعرفة؟ لا أظنك تفعل ذلك!
العمل الصالح ينتج عن العلم النافع، والمعرفة الصحيحة لا بد أن تكون منشئة للعمل، فمعرفة بدون عمل لا تنفع صاحبها، لأنها لا تُحركه ولا تُوجهه.
عندما تقرأ آيات القرآن تجد آيات كثيرة تتحدث عن الإيمان، ثم تعطف عليه العمل الصالح، كما في قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ (العصر1-3)
الإيمان الصحيح القوي الحي المُؤثر، لا يرضى أن يكون مستتراً بالقلب، فإنه ما إن يستقر في القلب حتى يسعى إلى إثبات نفسه في الخارج في صورة عمل صالح ..
فالعمل الصالح ثمرة طبيعية لشجرة الإيمان القوية الراسخة في شخصية المسلم.
أيها الشاب الحبيب: (إبدأ الآن) .. هذا شعار عملي حركي إيجابي، ارفعه فوق رأسك، وتطلع إليه بنظرك، وتذكره في كل ساعة من حياتك ..
(إبدأ الآن) : يدفعك إلى المُسارعة النشيطة الجادة، لكي تنصرف بكيانك كله إلى العمل البناء الجاد.
(إبدأ الآن) : أحسن علاج لمرض التسويف والتأجيل، وقد قال لك المُربون: لا تُؤجل عمل اليوم إلى الغد. وقال لك الناصح: إذا هبت رياحك فاغتنمها.
وقال لك في ذلك العالم الرباني: همتك ما أهمك، فاجعل همك الآخرة، وليس متاع الدنيا.
وقال لك ذلك الشاعر الحكيم:
فكن رجلاً رجله في الثرى   وهامة همته في الثريا
ولا تنس نصيحة ذلك المُربي:
إذا كان يؤذيك حر المصيف    ويُبس الخريف وبرد الشتا
ويُشغل ذهنك حُسن الربيع   فأخذك للعلم قل لي متى
وتذكر دائماً قول ذلك الفائز في السباق نحو الآخرة:
أأبيتُ سهران الدجى وتبيته   نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي
أيها الشاب العامل المُبادر المُسارع السابق: دع التكاسل والتثاؤب، وتخل عن التسويف والتأجيل، واترك التوافه من الأقوال والأفعال والأفكار والإهتمامات، فلا وقت عندك لتضيعه في هذه التفاهات.
إبدأ الآن: وضع لنفسك برنامجاً عملياً و "خطة براقة" ونَفذ تلك الخطة البراقة بدقة، ويمكنك أن تشتفيد من رسالتي المطبوعة " الخطة البراقة لذي النفس التواقة" وأسأل الله أن يتولاني وإياك، وأن يُعيننا على أن نكون مُبادرين عمليين، سباقين فائزين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق