الجمعة، ديسمبر 23

أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة !!

أسدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامة !! بقلم د. صلاح الخالدي

 

 

 كم نتألم ونحن نُتابع عبر شاشات الفضائيات الإبادة التي يتعرض لها أهل سوريا المُضطهدون، والمذابح التي تجري لرجالها ونسائها وجنودها، فأنا في صباح هذا اليوم الخميس 22/12، استمع إلى اصوات الرصاص وقذائف المدافع، التي يقصف بها زبانية النظام مدينة "القوريّة" في منطقة دير الزور، ودبابات النظام تُحاصر المدينة من كل جانب، وبالأمس كان الزبانية يذبحون أهل ادلب، وقبله كانت مذبحة جبل الزاوية.وما تعرضه الفضائيات من مشاهد الإبادة في المدن السورية لا يكاد يُذكر، أمام المذابح العملية، فالمخفي أعظم، والمناظر أفظع، والضحايا بالآلاف.النظام السوري الثوري يشن على شعبه حرب ابادة، يستخدم فيها كل الأسلحة الخفيفة والثقيلة، من صواريخ ودبابات، حتى الطائرات، وهذه الأسلحة موجهة لشعب مدني أعزل، لا يملك إلا إرادة يريد بها نيل حقوقه، وصوتاً يرتفع للمطالبة بتلك الحقوق!هذه الأسلحة الخفيفة والثقيلة التي تصب نيرانها على المضطهدين المدنيين ظلت في السراديب أكثر من أربعين سنة، لم توجه إلى اليهود الذين احتلوا الجولان _ أو سلم لهم الجولان_ رغم أن النظام أشبعنا كلاماً حول الثورية ومحاربة الإمبريالية والممانعة، وكانت جبهة الجولان أكثر الجهاد أماناً لليهود على أرض فلسطين منذ أربعين سنة.الأسد الأب والابن والنظام مُسالم لليهود، لكنه قوي شجاع ضد الشعب المدني الأعزل!ودفعني منظر القصف الشديد للزاوية وادلب ودير الزور وحمص وحماة وغيرها إلى تذكر هذه القصة العجيبة من تاريخنا الماضي:كان " الحجاج بن يوسف الثقفي " والياً على العراق من قبل الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وكان الحجاج ظالماً باغياً مستبداً سفاكاً للدماء _ وفعله وظلمه لا يُذكر أمام جرائم الحكام زماننا_ وقد شن عليه الخوارج حرباً شديدة، وخاضوا ضده عدداً من المعارك، وفي إحدى المعارك كانت زعيمة الخوارج امرأة شديدة اسمها "غزالة" وقد انتصرت على الحجاج، وبقيت تلاحظه وتُطارده حتى هرب من الكوفة، عاصمة العراق وقتها، ودخلت "غزالة" الكوفة، وأقامت بها مُدة تحكمها، والحجاج هارب، إلى أن أتاه مدد من الشام، فتغلب على غزالة، وعاد إلى الكوفة وظلم أهلها واعتدى عليهم وقتل منهم، فقال له شاعر منهم بيتين من الشعر، أنصح القرآء الأعزاء بحفظمها وترديدهما، ومُخاطبة أسد دمشق المفترس المتوحش، وباقي الحكام الطغاة بهما.
أســـــدٌ عليّ وفي الحروب نعامة    فــــتخاء تنفر من صفير الصافرِ
هلّا برزت إلى غزالة في الوغى    أم كان قلبك في جناحي طائر  al_bsa2r@hotmail.com 
‏‏

الأربعاء، ديسمبر 21

مع القرآن| " إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "

 " إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " 

 

 

{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) } [سورة الشرح].
سورة الشرح تحمل البُشرى من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، يُبشره الله بأنه شرح له صدره، ووضع عنه حِمله الثقيل، { الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} وهو حمل أمانة الدعوة وتبليغ الرسالة، الذي أعانه الله عز وجل على أدائه، ورفع الله ذكره صلى الله عليه وسلم، فما يذكر الله إلا ويذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك عند النطق بالشهادتين وعند رفع الأذان والإقامة وعند دعاء التشهد في الصلاة.
وبعد هذه البشريات بُشرى أخرى، وهي أن العسر الذي يُعاني منه بسبب تكذيب قومه سيزول وسيحل محله اليسر والفرح والخير العميم.
وطالبه بأن بنشط في الدعوة إلى الله في النهار، فإذا فرغ من ذلك عليه أن ينصب قدميه ويوقفهما في الليل قائماً مُصلياً مُناجياً الله، وعند ذلك يرغب إلى ربه ويتوجه إليه بأعماله كلها، هذا كان حال حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الأنبياء وسيد المرسلين، كان لا يتوقف عن الدعوة أبداً خلال النهار، ويقف بين يدي الله في الليل حتى تتشقق أقدامه. فكيف بنا نحن وقد أصبحنا في زمن كثرت فيه الابتلاءات والمصائب فالأولى بنا أن نتقرب إلى الله بكل عمل صالح في النهار، ونقوم ليلنا بصلاة ودعاء ونحن خاشعين مُتذللين. ونسأله الرضا والقبول.
وعندا يقرأ أحدنا سورة الشرح عليه أن يقف أمام بُشرياتها ويأخذ نصيبه منها، ويوقن أن الله عز وجل يُبشره بها كما يُبشر رسوله صلى الله عليه وسلم، على كل واحد منا أن يتوقف طويلاً أمام التبشير باليسر بعد العسر { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } وكل منا يمر به العسر كثيراً في حياته ولكنه سرعان ما يزول ويحل محله اليسر، وهذا وعد صادق نافذ من الله تعالى، ويؤكده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يُسراً.
فيا من تُعاني شدائد العسر أيقن بعدها بنفحات اليسر في كل جوانب حياتك، واللافت للنظر أن العسر في الآيتين معرفة، وأن العسر فيهما نكرة.
والقاعدة العربية تقرر أنه إذا كررت المعرفة في القرآن فإن المعرفة الثانية هي نفس المعرفة الأولى، أما إذا كررت النكرة فإن النكرة الثانية غير النكرة الأولى، فالعسر المُكرر في الآيتين عسر واحد، واليسر المكرر فيهما يُسران اثنان.
ولهذا ورد القول المأثور: لن يغلب عسر يسرين.
عندما أحس سيدنا يونس عليه السلام بالضيق في بطن الحوت، في تلك الظلمات الهائلة، ظُلمة البحر، وظُلمة بطن الحوت، وظُلمة الليل، وضاق صدره واعتلج همه، وعظم كربه، ففزع إلى الله عز وجل، إلى غياث الملهوف، وملجأ المكروب، وواسع الرحمة، وقابل التوبة، وانطلق لسانه بكلمات كأنهن الياقوت والمرجان {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} وجعل الله له بعد عُسر يُسراً، وتأتي الاستجابة السريعة حيث قال الله تعالى: { فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}
فأوحى الله إلى الحوت، أن يلقي يونس في العراء، فخرج إلى الشاطئ سقيماً هزيلاً، فتلقته عناية الله سبحانه وتعالى، وحفت به رحمته، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، ودبت إليه العافية، وظهرت فيه تباشير الحياة، وكذا من تعرف على الله في الرخاء، يعرفه في الشدة.
وجعل الله له من كل ضيق مخرجاً ويجعل له بعد عسر يُسراً.

الثلاثاء، ديسمبر 20

لماذا حماس هي الأفضل؟

لماذا حماس هي الأفضل؟

د.صلاح الخالدي

في الرابع والعشرين من كانون الأول "ديسمبر" عام سبعة وثمانين كانت البداية والانطلاقة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وهي الآن ملأ السمع والبصر، وتنتقل من نجاح إلى نجاح، بإذن الله تعالى، وقد حققت الكثير في الربع قرن الأول من عمرها المديد إن شاء الله.
وأحب في هذه الذكرى الطيبة أن أذكر أحبابنا بما يلي:
- كانت بداية الحركة بداية جادة وخطيرة وهامة، فلم تكن ولادتها من القصور المترفة ولا من الفنادق الفخمة. وإنما وُلدت من الميدان الجهادي العملي الساخن، حيث الانتفاضة الأولى عام سبعة وثمانين، وحيث الجرحى والشّهداء، والعرق والتعب، والتحدي والمعاناة، وهذه البداية رسمت لها الطريق الجهادي، وقد ألهم الله قادتها وضع ميثاقها الواضح الجاد الثابت الكاشف، الملزم لها ولكل حركة مجاهدة مثلها.
- وألهم الله قادتها اختيار اسمها الرائع، ذا الأحرف الأربعة التي هي اختصار اسمها المكون من ثلاث كلمات رائعة، وأصبح هذا الاسم يتردد على كل لسان لسلاسته ورقته ودلالته "رمزيته" .. كما ألهم الله قادتها حسن اختيار شعارها الأخضر، وراياتها الخضراء، والذي هو رمز للخضرة والخصب والنجاح، وهكذا يذكرنا بالكتيبة الخضراء ذات العشر آلاف مُجاهد، التي شكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، ولم يكن يُرى منهم إلى "الحُدَّق"، ولما رآها أبو سفيان زعيم مكة استسلم وقال: لا قِبل لأحد بهؤلاء!.
- حماس هي الأفضل؛ وقد ثبت من خلال المسيرة المُباركة لحماس أنها هي الأفضل، من بين جميع الحركات على الساحة الفلسطينية وغيرها، وأنها هي "المحبوبة" عند الجماهير العربية والإسلامية، وأنها مُتمكنة من قلوبهم وعقولهم، وهم لا يُحبونها لجمالها فقط _مع انها جميلة ورائعة_ ولكن يحبونها لبرنامجها وميثاقها، يحبونها لطبيعتها وخط سيرها، إن السمعة المميزة لحركة حماس أنها حركة جهادية، وطبيعتها طبيعة جهادية، وخط سيرها هو الجهاد، وقد قدمت قادتها شهداء في سبيل الله، وقدمت الآلاف من أفرادها أسرى.
- ومن مقررات القرآن القاطعة تفضيل المُجاهدين على القاعدين، فميزان التفاضل والتميز عند الله هو: التقوى والجهاد. قال تعالى:  لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95).
المُجاهد متقدم على الصالح التقي بدرجة، وليست مسافة الدرجة بضعة سنتمترات، وقد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد المسلمين: " أما أنها ليست بعتبة أمك، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض.."
المُجاهدون الصادقون _ من حماس وغيرها_ مُتألقون في السماء العليا، وكواكب مُضيئة في سماء الأمة. والمسلمون القاعدون، صغار واقفون على "الثرى" ملتصقون بالأرض، وأين الثرى من الثريا؟!
- دليل أن المُجاهد هو الأفضل إضافة على ما ورد في القرآن، ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: " طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة .."
- ومن أكثر ما أعجبني في هذا الأمر ذلك الحوار الرائع الذي جرى بين عُمر بن الخطاب رضي الله عنه وبين مجموعة من الصحابة.
قال لهم: من هو أفضل المسلمين؟
قالوا: أنت يا أمير المؤمنين..
[وكانوا صادقين في الجواب، لأن عُمر رضي الله عنه أفضل المسلمين بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولكن عمر أراد أن يُبين فضل المُرابطين والمُجاهدين وأن يتواضع .. ]
قال لهم: لست بأفضل المسلمين!
قالوا: فمن هو الأفضل إذن؟
قال: هو رجل مرابط مُجاهد في بلاد الشام، على ظهر فرسه، لا يدري أسبع يفترسه، أم أفعى تلدغه، هذا أفضل منكم ومن أمير المؤمنين!
وأقول في هذا المقام: رحم الله امرءا عرف قدر نفسه، ولا يجوز لأحد يحترم نفسه أن "يرفع سعره"! وأن يتعالى على من هو أفضل منه! وهل يعقل أن يكون القاعد أفضل من المُجاهد؟ ذلك القاعد في الغرفة المكيفة، المُجهزة، المهيأة، وفيها كل وسائل الترفيه والراحة، وبين يديه كل ما يريد من طعام وشراب وكماليات ورغبات، هل يستوي ذلك مع المجاهد فضلاً عن أن يفضل عليه!
يا قومنا: اعرفوا أقداركم ومنازلكم، واعرفوا للمجاهدين قدرهم ومنزلتهم، إنهم أساتذتنا وقدواتنا وعنوان عزتنا، وتيجان رؤوسنا. وصد القائل فيهم ..
هم الرجال وعيب أن يقال لغيرهم رجال
(البوصلة)

الخميس، ديسمبر 8

"..جاهدهم به .."

"..جاهدهم به .." 
 
د. صلاح الخالدي 


قال الله عز وجل: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان:52]


هذه الآية الحكيمة من سورة الفرقان، وسورة الفرقان مكية بإجماع العلماء ينهي الله رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية عن طاعة الكافرين، ويأمره فيها بجهاد هؤلاء الكافرين، ويصف هذا الجهاد بأنه جهاد كبير..


وهذه آية قصيرة، مكونة من جملتين قصيرتين، لكنها تقرر حقائق إيمانية قرآنية عظيمة..


الجُملة الأولى: { ولا تُطع الكافرين..} : جُملة طلبية، تطلب الامتناع عن طاعة الكافرين، والنهي يدل على التحريم، وطاعة الكافرين حرام شرعاً، ومن أطاع الكافرين فقد عصى الله، وعرض نفسه لعذاب الله!


الجُملة الثانية: { وجاهدهم به جهاداً كبيراً} جُملة طلبية ثانية، تأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بجهاد هؤلاء الكافرين بالقرآن، وتقرر أن جهادهم بالقرآن جهاد كبير، أي: هو جهاد ناجح مؤثر، وصاحبه مفلح فائز.


ولنقف وقفة بيانية سريعة مع جُملتي الآية، قبل أن نُشير إلى أبعادها.


الفاء في الجُملة الأولى: { فلا تُطع الكافرين} تسمى عند البيانيين " إلغاء الفصيحة" وهي التي تدخل على جواب الشرط، ويُقدر قبلها أداة شرط وفعل شرط، وسُميت إلغاء الفصيحة لأنها "تفصح" وتشير وترشد إلى الشرط قبلها، ولا بد من تقدير أداة الشرط وفعل الشرط قبلها، وفاء الفصيحة مذكورة في القرآن مئات المرات، ولا بد من حسن الالتفات إليها، وتقدير الشرط هنا، إن عرفت واجبك فلا تطع الكافرين.

والواو في الجملة الثانية: "وجاهدهم به" حرف عطف، عطفت فعل الأمر: "جاهدهم" على الفعل المُضارع المجزوم: "لا تطع.." وجاز العطف هنا لأن كل واحدة من الجملتين تحمل معنى الطلب:

الأولى تطلب عدم طاعتهم، والثانية تطلب جهادهم! ولأن المُضارع فيه معنى الأمر، فكأنها عطفت الأمر على الأمر، والتقدير: اعص الكافرين وجاهدهم.. "هم": في محل نصب مفعول به، يعود على الكافرين.. والضمير في "به" : يعود على القرآن. و "جهاداً" مفعول مطلق. و"كبيراً": صفة منصوبة.

والآن تعالوا معنا نتعرف على بعض أبعاد وإيحاءات ودلالات هذه الآية الحكيمة المعجزة..

الخطاب في ظاهره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه ليس خاصاً به، وإنما هو عام يشمل كل مسلم من بعده، ذكراً كان أو أنثى، حتى قيام الساعة، والقاعدة القرآنية تقول: خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته ما لم يقم دليل على التخصيص. فالله ينهى كل مسلم منا عن طاعة الكافرين، مهما كان موقفه، سواء كان حاكماً أو محكوماً، ونركز على مُخاطبتها لكل حاكم، تقول له: أيها الحاكم الفلاني: لا تُطع الكافرين من اليهود والأمريكيين وغيرهم!!

وبما أن النهي للتحريم فإن الحاكم الفلاني إذا أطاع الكافرين فقد خالف الآية، وعصى بذلك ربه، ودلني على حاكم في هذه الأيام لا يطيع الكافرين الآمرين.

لماذا نهى الله كل مسلم عن طاعة الكافرين؟ لأن الكافرين حاقدون علينا، ولا يريدون لنا خيراً ولا نجاحاً ولا توفيقاً، ولا يرضون عنا إلا إذا تركنا ديننا واتبعنا باطلهم، وأوامرهم الموجهة لنا _ أو إلى مسؤولينا وحكامنا بتعبير أدق _ لتحقيق هذا الهدف. إنهم لا يأمرون إلا بالشر والدمار والفساد والهلاك. وطاعتهم في هذه الأمور انتكاسة لنا وتدمير لأوطاننا! فكيف يطيعهم المسؤولون في هذه الأوامر التخريبية المدمرة؟ فالله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ* وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ...} [آل عمران : 100-101]

أمر الله كل مسلم بالجهاد بصيغة آمرة جازمة حازمة: "وجاهدهم"، والأمر في الأصل للوجوب، ولا يُصرف عن الوجوب إلا لقرينة، وهي غير موجودة هنا، والخطاب في "جاهِدهم" عام يشمل كل مسلم صالح، ذكراً كان أو أنثى، حتى قيام الساعة، ومن لم يجاهد الكفار فقد ترك فرضاً واجباً، ومن ترك فرضاً واجباً فقد عصى الله وعرض نفسه لعذاب الله.

عطف الأمر بجهاد الكافرين على النهي عن طاعتهم ملحوظ مقصود هادف، ونعلم أن العطف يدل على التغاير، فالمعطوف غير المعطوف عليه، فإذا نهينا عن طاعة الكافرين فقد أُمرنا بجهادهم، إن البديل لطاعتهم في إملاءاتهم التخريبية هو عصيانهم، ثم جهادهم ومواجهتهم، وتحديهم والوقوف أمام مطامعهم ومؤامراتهم، وإفشال أهدافهم ومُخططاتهم ..

الباء في "به" حرف جر، ومعناها الاستعانة. والهاء ضمير يعود على القرآن، والمعنى: جاهد الكفار بالقرآن، واستعن على جهادهم بالقرآن، وليكن القرآن العظيم أهم سلاح لك في جهادهم ومواجهتهم وتحديهم.

إن شبه الجملة "به" وتعلقها بفعل الأمر "جاهدهم" تدلنا على الطبيعة الحية الحركية لهذا القرآن الحبيب، والتي قد يغفل عنها كثير من حملة القرآن في هذا الزمان: إن القرآن كتاب جهاد ومواجهة وتحدّ، وإنه سلاح عظيم بيد القرآني المُجاهد، وإذا لم يستعمل المسلمون هذا السلاح القرآني يفشلون، ونقدم هذه الدلالة الجهادية الحركية للقرآن إلى إخواننا وأخواتنا وأبنائنا وبناتنا في مراكز تحفيظ القرآن.

أمرنا بجهاد الكافرين بالقرآن ليعرفنا على طبيعة الجهاد، التي قد يجهلها كثير من مسلمي هذا الزمان، ومنهم من يحمل سلاحه ويقاتل الكفار ويطلق النار عليهم! يخطئ من يقصر الجهاد على القتال، ويحصره بإطلاق النار عليهم، إن هذا الأسلوب هوميدان من أساليب الجهاد العديدة، ولكنه ليس مقصوراً عليه، صحيح أن كل قتال جهاد، وأن القتال من أشرف وأفضل صور الجهاد، لكن ليس كل جهاد قتالاً. الجهاد المأمور به في هذه الآية من سورة الفرقان المكية هو جهاد الدعوة وجهاد المواجهة، وجهاد التحدي، وجهاد الثبات، وهذا لا قتال ولا إطلاق نار فيه، وهو جهاد نافع مؤثر، ويكفي أن الله جعله جهاداً كبيراً، وذلك كي لا يقلل منه أو يزهد فيه المجاهدون، وإذا حيل بيننا وبين جهاد القتال وحمل السلاح فلا يمنعنا أحد من جهاد الدعوة والكلمة وجهاد الإنترنت و"الفيسبوك"!!


(البوصلة)

الثلاثاء، ديسمبر 6

البكّيني .. أم الحِجاب ؟!

البكّيني .. أم الحِجاب ؟!

 

د. صلاح الخالدي


بدأت القوى المُضادة المُحاربة للإسلاميين التشويش والمُشاغبة عليهم في تونس، وقد ساء تلك القوى فوز حركة النهضة _ ذات التوجه الإسلامي _ بالأغلبية في الانتخابات، واتساع المد الإسلامي في تونس، وعودة شعبها إلى هويته الإسلامية، التي عاشها عبر القرون الماضية، ولم تقتل المرحلة "الظلامية" التي حاربت الإسلام فترة حكم أبو رقيبة وبن علي روح الإسلام الحية في الشعب التونسي، فما إن تلاشى ذلك الظلام الظالم، واسترد الشعب حريته، وتمكن من التصريح بموقفه، وجرت الانتخابات بنزاهة حقيقية حتى اختار الشعب نوابه مِن مَن يظن فيهم خيراً وتديناً والتزاماً، وقد حرص قادة حركة النهضة على إرسال رسائل "تطمين" إلى كل الأطراف والتوجيهات في الداخل والخارج، يدعونهم فيها إلى عدم الخوف والقلق، حتى قال زعيم النهضة "راشد الغنوشي" إن حركته لن تمنع "البكيني" في المسابح وعلى الشواطئ! ومعلوم ما هو البكيني، الذي اخترعه "شياطين التعري" في الغرب، والذي لا يزيد عن قطعتين مُثيرتين من القماش، لا تزيد مساحة كل منهما عن بضعة سنتمترات، تُغطي في الأولى جزءاً يسيراً من الثديين، وتُغطي في الثانية العورة المُغلظة في القُبل والدُّبر، وباقي الجسم العاري معروض للناظرين! وقد يضيق جسمها ذرعاً بهاتين القطعتين فتطرحهما جانباً !

البكيني على الشواطئ، والتبرج في المدارس والجامعات والشوارع والمُؤسسات أمر طبيعي عند هؤلاء، وعاشت النّساء في تونس أكثر من نصف قرن على هذه الحالة بدون تخوف أو استنكار.

فلما جاء أصحاب التوجه الإسلامي ثارت ثائرة أولئك الناس، وأعلنوا خوفهم من هؤلاء، ورفضهم لبرنامجهم الإصلاحي، وقد رأيت على إحدى الفضائيات إحدى طالبات الجامعة ترفض حركة النهضة، وبررت كرهها لها بقولها، إنها تريد أن تُلبسني الحجاب، وتحشر جسمي فيه! علماً أن حركة النهضة لم تَدّع ذلك! فقالت لها زميلتها المُتبرجة مثلها: دعينا نُجرب النهضة ثم نحكم عليها بعد ذلك!!
ومن المُضحك المُبكي _ وشر البلية ما يُضحك_ ما سمعته من أحد المُحللين في إحدى الفضائيات يعلق على الانتخابات المصرية، حيث كان للتيار السلفي _ المتمثل بحزب النور_ القوة الأولى في الإسكندرية، فقال ذلك المُعلق ـ فض الله فاه ـ حزيناً مُتحسراً مُتألماً: عندما يفوز مرشحو التوجه الإسلامي بكل مقاعد الإسكندرية فسوف ينتشر الحجاب بين نِساء الإسكندرية، وسوف تخلو شواطئ الإسكندرية من النّساء الجميلات بالبكيني! وهذه خسارة كبيرة للشواطئ والمدينة، ولمصر والحضارة!! هكذا يُفكرون: التبرج ربح، والحجاب خسارة !
وقد حدثت الأخبار الصادرة صباح يوم الجمعة (2-12) عن مُشكلة كبيرة في تونس، تعتبر الامتحان الصعب لحركة النّهضة: وتتمثل تلك المُشكلة في قرار بعض المسؤولين الجامعيين في إحدى الجامعات التونسية يمنع الطالبات المُحجبات والمُنقبات من دخول الجامعة، وجريمتهن هو الحرص على العفاف والستر والفضيلة، وعدم عرض مفاتنهن، ولبس الحجاب والنقاب!
منعوا المُحجبات والمُنقبات من دخول الجامعات وحركة النهضة تفوز بأغلبية مقاعد البرلمان، وفي طريقها لتشكيل الحكومة! أي منطق هذا؟
وانتصر الشباب الإسلامي المُلتزم في الجامعات لأخواتهن المُحجبات الفاضلات وتظاهروا واعتصموا وأضربوا، ودعوا إلى إلغاء ذلك القرار الظالم، وتجمعوا وتكلموا، وارتفع صوت الطلاب والطالبات بالانحياز إلى الحق..
وقامت مُظاهرات مُضادة في الطرف الآخر، تجمع فيها دُعاة التبرج والتكشف من الطلاب والطالبات يُؤيدون ذلك القرار الظالم، ويدعون إلى عدم وجود مُحجبات في الجامعات، وما زال الخلاف بين الفريقين مُستمراً.
وقد علقت طالبة مُحجبة على الأحداث بقولها: نحن لم نتدخل في لبس الطالبات المُتبرجات، ولا في سلوكهن مع أمثالهن من الطلاب، ونحن نريد منهم أن لا يمنعونا حقنا الشرعي، إننا نُطالب بِمساواتنا بالطالبات المُتبرجات! رضين بهن وهن لم يرضين بنا!!
وانحاز بعض الأساتذة إلى جانب التبرج والتعري، فأعلنوا الإضراب عن التدريس لمدة يوم، احتجاجاً على وجود طالبات مُحجبات في قاعات التدريس!
وعلّقت أستاذة جامعية متبرجة بأن الحجاب يحول بين الطالبة وبين التعلم والفهم!! وتحدث أحد مُمثلي الطلاب الملتزمين قائلاً: مطالبنا متواضعة وممكنة، وليست مُستحيلة أو صعبة! فنحن نُريد أمرين: نُريد منح أخواتنا الطالبات الحرية في لبس الحجاب، ونريد تخصيص مُصلى لنا لنُصلي فيه!!
إن ما يجري الآن في إحدى جامعات تونس، من صراع بين أنصار التبرج والتكشف والتعري وأنصار الستر والعفاف والفضيلة يؤكد على حتمية الصراع بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل، وأن فوز أصحاب التوجه الإسلامي بالأغلبية في تونس والمغرب ومصر لن ينهي ذلك الصراع، وإنما سيزيده حدة وسخونة .. والسعيد الموفق الذي يوفقه الله لاختيار طريق الحق، والالتزام به والدعوة إليه. وهنيئاً لكم يا أعزائي من أبنائي وبناتي حسن الاختيار والالتزام والانتماء.. والحمد لله رب العالمين .
(البوصلة)


فلنبدأ الآن

فلنبدأ الآن

 

د. صلاح الخالدي 

دخلت علينا سنة هجرية جديدة، لا ندري هل نعيش أيامها كلها أم نرتحل للدار الآخرة، ولا ندري كم سيفارقنا في هذه السنة من الأصحاب والأحباب، وهذه السنة ستكون حافلة مليئة بالأحداث الكبيرة على المستوى المحلي والعربي والإسلامي والعالمي، لأن الحياة حركة دائبة لا تتوقف ولا تنتهي، ولا يعلم إلا الله ماذا ستكون عليه أقطار العالم العربي وأنظمة الحكم والحراك الشعبي فيه، ومن سيزول من حكام العرب وكم سيبقى، وكم سيقتل الحاكم من أبناء شعبه قبل أن يرحل، لكن عالمنا العربي سيشهد حراكاً ونشاطاً وسعياً كبيراً، وينطبق عليه قول الشاعر:

والليالي من الزمان حبالى  مثقلات يلدن كل عجيب

أين نحن من هذا العالم الهجري الجديد؟ ما موقعنا في هذا العام؟ ماذا نريد أن نفعل في هذا العام؟ كيف سنقضي شهور هذا العام وأيامه وساعاته؟
إن من ما يُحزن المسلم البصير الحريص على أمته هذه الغفلة المُميتة، التي تستولي على كثير من أفراد الأمة، والتي تقتل مواجعهم، وتقضى على أعمارهم وأعمالهم، وتأخذهم بعيداً إلى عالم الضياع والنسيان. فلا يحققون شيئاً لأنفسهم ولا لأهلهم ولا لوطنهم وأمتهم.
كثيرون يظنون أنهم مخلوقون عبثاً، بدون هوية ولا تكليف ولا مسؤولية، ولذلك تمر عليهم الأعوام والأيام والساعات بدون أن يعرفوا قيمتها، ولا يعرفون كيف يقضونها.
وكثيرون من أبناء الأمة بدون فكر ولا سعي ولا تخطيط.. يعيشون على هامش الحياة، تحملهم الحياة بثقل، ويكونون عبئاً عليها، ولا يستفيدون منها، ولا يضيفون شيئاً إليها .. وإن فكر أحدهم فكر في شهوتي الطعام والجنس، وكان أسير بطنه وفرجه، وسعى للتزود بما لذ من الطعام و "إغواء" العابثات اللاهيات من الجنس الآخر .. لسان حال أحدهم قول ذلك العابث:
إنما الدنيا طعام وشراب ومنام      فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام
كم يتألم ويحزن المسلم البصير وهو يرى "مواكب الفارغين والفارغات" من الشباب والشابات، يتفاخرون ويتعاكسون في السيارات، ويعبثون على الطرقات، ويلهون ويلعبون و"يشتهي" بعضهم بعضاً في ممرات الكليات وشوارع الجامعات ومقاهي الكوفي شوب والمنتديات، ويقضى أحدهم أو إحداهن الساعات الطويلة في غرف "الدردشات" مع الطرف الآخر عبر "التْشات" .
ويتساءل هذا المسلم البصير الحزين، ماذا أصاب الناس، وأي لعنة وقعت بهم!!
أعزائي من أبنائي وبناتي: تعالوا معي نجعل من بداية هذا العام الهجري الجديد بداية جادة، ننوي فيها نية صادقة، ونسير في عالم الحركة والعمل والإصلاح والتغيير، وليرفع كل منها شعار "ابدأ الآن" وأدعو كل ابن عزيز من أبنائي وابنة غالية من بناتي إلى أن نعيش هذه الكلمات تحت عنوان " ابدأ الآن" وأن يعتبرها رسالة شخصية هامة مني له:
إبدأ الآن
أيها الشاب الحبيب، المُحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، الحريص على دينه، الذي جعل لحياته هدفاً سامياً، والذي وجه نظره نحو الآخرة..
لقد تعرفت على الحق، وعرفت الطريق إليه، ووضعت قدميك على أول الطريق.. فماذا بعد ذلك؟ هل تكتفي بالمعرفة؟ لا أظنك تفعل ذلك!
العمل الصالح ينتج عن العلم النافع، والمعرفة الصحيحة لا بد أن تكون منشئة للعمل، فمعرفة بدون عمل لا تنفع صاحبها، لأنها لا تُحركه ولا تُوجهه.
عندما تقرأ آيات القرآن تجد آيات كثيرة تتحدث عن الإيمان، ثم تعطف عليه العمل الصالح، كما في قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ (العصر1-3)
الإيمان الصحيح القوي الحي المُؤثر، لا يرضى أن يكون مستتراً بالقلب، فإنه ما إن يستقر في القلب حتى يسعى إلى إثبات نفسه في الخارج في صورة عمل صالح ..
فالعمل الصالح ثمرة طبيعية لشجرة الإيمان القوية الراسخة في شخصية المسلم.
أيها الشاب الحبيب: (إبدأ الآن) .. هذا شعار عملي حركي إيجابي، ارفعه فوق رأسك، وتطلع إليه بنظرك، وتذكره في كل ساعة من حياتك ..
(إبدأ الآن) : يدفعك إلى المُسارعة النشيطة الجادة، لكي تنصرف بكيانك كله إلى العمل البناء الجاد.
(إبدأ الآن) : أحسن علاج لمرض التسويف والتأجيل، وقد قال لك المُربون: لا تُؤجل عمل اليوم إلى الغد. وقال لك الناصح: إذا هبت رياحك فاغتنمها.
وقال لك في ذلك العالم الرباني: همتك ما أهمك، فاجعل همك الآخرة، وليس متاع الدنيا.
وقال لك ذلك الشاعر الحكيم:
فكن رجلاً رجله في الثرى   وهامة همته في الثريا
ولا تنس نصيحة ذلك المُربي:
إذا كان يؤذيك حر المصيف    ويُبس الخريف وبرد الشتا
ويُشغل ذهنك حُسن الربيع   فأخذك للعلم قل لي متى
وتذكر دائماً قول ذلك الفائز في السباق نحو الآخرة:
أأبيتُ سهران الدجى وتبيته   نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي
أيها الشاب العامل المُبادر المُسارع السابق: دع التكاسل والتثاؤب، وتخل عن التسويف والتأجيل، واترك التوافه من الأقوال والأفعال والأفكار والإهتمامات، فلا وقت عندك لتضيعه في هذه التفاهات.
إبدأ الآن: وضع لنفسك برنامجاً عملياً و "خطة براقة" ونَفذ تلك الخطة البراقة بدقة، ويمكنك أن تشتفيد من رسالتي المطبوعة " الخطة البراقة لذي النفس التواقة" وأسأل الله أن يتولاني وإياك، وأن يُعيننا على أن نكون مُبادرين عمليين، سباقين فائزين.